فصل: ثم دخلت سنة إحدى عشرة وثلثمائة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المنتظم في تاريخ الملوك والأمم **


 ثم دخلت سنة عشر وثلثمائة

فمن الحوادث فيها‏:‏ أن يوسف بن أبي الساج أطلق في المحرم وحمل إليه مال وخلع عليه وقرر أن يحمل في كل سنة خمسمائة ألف دينار من أعمال ضمنت إليه فبعث إلى مؤنس يطلب منه إنفاذ أبي بكر ابن الآدمي القارئ فخاف أبو بكر لأنه كان قد قرأ بين يديه يوم شهر‏:‏ وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة فقال له مؤنس‏:‏ لا تخف فأنا شريكك في الجائزة فمضى فدخل عليه فقال‏:‏ هاتوا كرسيًا لأبي بكر فجلس فقال‏:‏ اقرأ فقرأ‏:‏ وقال الملك ائتوني به أستخلصه لنفسي فقال‏:‏ لا أريد هذا بل أريد لتقرأ ما قرأته بين يدي حين شهرت‏:‏ وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة فقرأ فبكى وقال‏:‏ هذه الآية كانت سبب توبتي من كل محظور ولو أمكنني ترك خدمة السلطان لتركت وأمر له بمال ‏.‏

قال مؤلف الكتاب‏:‏ وقد ذكرنا أنه شهر في سنة إحدى وسبعين ومائتين وحينئذ قرأ بين يديه وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة وذلك في خلافة المعتمد وفي هذه السنة استزاره فأكرمه وذلك في خلافة المقتدر ‏.‏

وفي هذه السنة‏:‏ اعتل علي بن عيسى فركب لعيادته هارون بن المقتدر ومعه مؤنس ونصر القشوري ووجوه الغلمان وفرش له الطريق من الشط إلى المجلس فتلقاه أبو الحسن متحاملًا وأدى إليه رسالة المقتدر بالمسألة عن خبره ثم قيل‏:‏ ان المقتدر قد عزم على الركوب إليه فانزعج لذلك وسأل مأنسًا أن يستعفي له منه وكان قد صلح بعض الصلاح فركب إلى الدار على ضعف شديد وطلع ليفسخ بذلك ما وقع عليه العزم ثم برأ ‏.‏

وفيها‏:‏ سخط على أم موسى القهرمانة وقبض عليها وعلى أنسابها ومن كانت تعنى به فصح منها في بيت المال ألف ألف دينار ‏.‏

واختلف في السبب فقيل‏:‏ ان المقتدر اعتل فبعثت إلى بعض أهله ليقرر عليه ولاية الأمر فانكشف ذلك وقيل‏:‏ بل زوجت بنت أخيها إلى أبي بكر بن أبي العباس محمد بن إسحاق بن المتوكل فسعى بها أعداؤها وثبتوا في نفس المقتدر والسيدة والدته أنها ما فعلت ذلك إلا لتنصب محمد بن إسحاق في الخلافة فتمت عليها النكبة ‏.‏

أخبرنا أبو منصور القزاز أخبرنا أحمد بن علي أخبرنا علي بن المحسن أخبرنا طلحة بن محمد قال‏:‏ صرف المقتدر بالله أبا جعفر أحمد بن إسحاق بن البهلول يوم الخميس لعشر بقين من ربيع الآخر سنة عشر وثلثمائة عن القضاء بمدينة أبي جعفر المنصور واستقضى في هذا اليوم أبا الحسين عمر بن الحسين بن علي الشيباني المعروف بابن الاشناني وخلع عليه ثم جلس يوم السبت للحكم وصرف يوم الأحد وكانت ولايته ثلاثة أيام وكان من جلة الناس ومن أصحاب الحديث المحمودين وأحد الحفاظ وكان قبل هذا يتولى القضاء بنواحي الشام وتقلد الحسبة ببغداد ‏.‏

وفي جمادى الأولى تقلد نازوك الشرطة بمدينة السلام مكان أبي طاهر محمد بن عبد الصمد وخلع عليه ‏.‏

وفي جمادى الآخرة ظهر كوكب ذو ذنب في المشرق في برج السنبلة طوله نحو ذراعين ‏.‏

وفي شعبان وصلت هدية الحسين بن أحمد بن المادرائي من مصر وهي بغلة ومعها فلو وغلام طويل اللسان يلحق طرف لسانه أنفه ‏.‏

وفي هذا الشهر قرئت الكتب على المنابر في الجوامع بفتح كان في بلاد الروم لأهل طرسوس وملطية وقاليقلا ‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت ‏.‏

أخبرنا علي بن المحسن أخبرنا طلحة بن محمد بن جعفر قال‏:‏ استقضى المقتدر بالله في يوم النصف من رمضان سنة عشر وثلثمائة أبا الحسين عمر بن أبي عمر محمد بن يوسف بن يعقوب وكان قبل هذا يخلف أباه على القضاء بالجانب الشرقي والشرقية وسائر ما كان إلى قاضي القضاة أبي عمر وذلك أنه استخلفه وله عشرون سنة ثم استقضي بعد استخلاف أبيه له على أعمال كثيرة ثم قلد مدينة السلام في حياة أبيه ‏.‏

وفي رمضان قلد المطلب بن إبراهيم الهاشمي الصلاة في جامع الرصافة ببغداد ‏.‏

وفي يوم الفطر ركب الأمير أبو العباس ابن المقتدر إلى المصلى ومعه الوزير حامد بن العباس وعلي بن عيسى ومؤنس المظفر والجيش ‏.‏

وصلى بالناس إسحاق بن عبد الملك الهاشمي ‏.‏

وفي يوم الاثنين سلخ ذي القعدة أخرج رأس الحسين بن منصور الحلاج من دار السلطان ليحمل إلى خراسان ‏.‏

وورد الخبر بأنه انشق بواسط سبعة عشر شقًا أكبرها ألف ذراع وأصغرها مائتا ذراع وأنه غرق من أمهات القرى ألف وثلثمائة قرية ‏.‏

وفيها حج بالناس إسحاق بن عبد الملك ‏.‏

أحمد بن إبراهيم بن كامل أبو الحسن مولى بني فهر كان ثقة ‏.‏

وتوفي في جمادى الأولى من هذه السنة وله اثنتان وثمانون سنة ‏.‏

أحمد بن محمد بن يحيى أبو علي حدث عن الحارث بن مسكين وكان ثقة وتوفي في شعبان هذه السنة ‏.‏

أحمد بن محمد بن عبد الله بن سهل السراج أبو الحسن حدث عن يونس بن عبد الأعلى وغيره وكان ثقة دينًا توفي في شهر رمضان هذه السنة ‏.‏

أحمد بن محمد بن عبد الواحد بن يزيد بن ميمون أبو جعفر الطائي حمصي قدم مصر وحدث بها وكان ثقة توفي بمصر في رجب هذه السنة ‏.‏

أحمد بن عبد الله بن محمد بن هلال بن نافع أبو جعفر المقرىء مولى الأزد ‏.‏

حدث عن أبيه وغيره وتوفي في ذي القعدة من هذه السنة ‏.‏

أبو علي الصواف المقرىء سمع من أبي سعيد الأشج وغيره ‏.‏

وكان ثقة فاضلًا نبيلًا سكن الجانب الشرقي توفي في رمضان هذه السنة ودفن في مقابر الخيزران ‏.‏

خالد بن محمد بن خالد أبو محمد الصفار الختلي حدث عن يحيى بن معين ‏.‏

روى عنه علي بن محمد السكري سئل عنه الدارقطني فقال‏:‏ صالح توفي في هذه السنة ‏.‏

عبد الله بن محمد بن أحمد بن مسلمة أبو محمد الفزاري حدث عن عباد بن الوليد الغبري روى عنه ابن المظفر وكان ثقة وتوفي في ذي الحجة من هذه السنة ‏.‏

عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن هلال أبو محمد القرشي الشامي المعروف أبي صخرة الكاتب سمع علي بن المديني وليًا ويحيى بن أكثم روى عنه ابن المظفر ‏.‏

وكان ثقة وتوفي ببغداد في عيسى بن سليمان بن عبد الملك أبو القاسم القرشي وراق داود بن رشيد حدث عنه وعن غيره روى عنه ابن المظفر - وكان ثقة -‏.‏ توفي في شعبان هذه السنة

محمد بن أحمد بن حماد بن سعد أبو بشر الدولابي الوراق مولى الأنصار وكانت له معرفة بالحديث وكان حسن التصنيف وحدث عن أشياخ فيهم كثرة قال أبو سعيد بن يونس‏:‏ وكان يضعف توفي وهو قاصد إلى الحج بين مكة والمدينة بالعرج في ذي القعدة من هذه السنة ‏.‏

محمد بن أحمد بن هلال أبو بكر الشطوي سمع أبا كريب وأحمد بن منيع وغيرهما وروى عنه محمد بن المظفر وغيره وربما سماه بعض الرواة أحمد بن محمد ومحمد بن أحمد أكثر ‏.‏

وتوفي لأربع خلون من ربيع الأول من هذه السنة ‏.‏

أبو جعفر الصالحي سكن بغداد وحدث بها عن بشر بن هلال الصواف وأزهر بن جميل وغيرهما روى عنه ابن المظفر وغيره وكان ثقة توفي في هذه السنة محمد بن بنان بن معن أبو إسحاق الخلال سمع محمد بن المثنى ومهنأ بن يحيى الشامي وغيرهما روى عنه علي بن عمر السكري وأبو الفضل الزهري أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال‏:‏ أنبأنا أحمد بن علي قال‏:‏ أنبأنا الأزهري قال‏:‏ أنبأنا علي بن عمر الحافظ قال‏:‏ محمد بن بنان بغدادي لم يكن به بأس ‏.‏

توفي في شعبان هذه السنة‏.‏

محمد بن جعفر بن العباس بن عيسى بن أبي جعفر المنصور يكنى أبا جعفر كان خطيب الجامع بمدينة المنصور فلم يزل يتولى ذلك حتى توفي في يوم السبت لثمان من ذي الحجة من هذه السنة محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب ولد في آخر سنة أربع أو أول سنة خمس وعشرين ومائتين وكان أسمر إلى الأدمة أعين ملتف الجسم مديد القامة فصيح اللسان سمع محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب وإسحاق بن أبي إسرائيل وأحمد بن منيع البغوي وأبا همام الوليد بن شجاع وأبا كريب ويعقوب الدورقي وأبا سعيد الأشج ومحمد بن بشار وخلقًا كثيرًا من أهل العراق والشام ومصر ‏.‏

وحدث عنه أحمد بن كامل القاضي وغيره استوطن ابن جرير بغداد إلى حين وفاته وكان قد جمع من العلوم ما رأس به أهل عصره وكان حافظًا للقرآن بصيرًا بالمعاني عالمًا بالسنن فقيهًا في الأحكام عالمًا باختلاف العلماء خبيرًا بأيام الناس وأخبارهم وتصانيفه كثيرة منها‏:‏ كتاب التاريخ وكتاب التفسير وتهذيب الآثار إلا أنه لم يتمم تصنيفه وله في أصول الفقه وفروعه كتب كثيرة ‏.‏

أخبرنا أبو منصور عبد الرحمن بن محمد القزاز قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب قال‏:‏ سمعت علي بن عبيد الله بن عبد الغفار اللغوي يحكي أن محمد بن جرير مكث أربعين سنة يكتب في كل يوم منها أربعين ورقة ‏.‏

أخبرنا أبو منصور القزاز قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر الخطيب قال‏:‏ أخبرني القاضيا أبو عبد الله محمد بن سلامة القضاعي إجازة قال‏:‏ حدثنا علي بن نصر بن الصباح الثعلبي قال‏:‏ حدثنا القاضي أبو عمر عبيد الله بن أحمد السمسار وأبو القاسم بن عقيل الوراق‏:‏ أن أبا جعفر الطبري قال لأصحابه أتنشطون لتفسير القرآن قالوا‏:‏ كم يكون قدره قال‏:‏ ثلاثون ألف ورقة فقالوا‏:‏ هذا مما تفنى الأعمار قبل تمامه فاختصره في نحو ثلاثة آلاف ورقة ثم قال‏:‏ هل تنشطون لتاريخ العالم من آدم إلى وقتنا هذا قالوا‏:‏ كم يكون قدره فذكر نحوًا مما ذكر في التفسير فأجابوه بمثل ذلك فقال‏:‏ إنا لله ماتت الهمم فاختصره في نحو مما اختصر التفسير ‏.‏

أخبرنا القزاز قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر الخطيب قال أنشدنا علي بن عبد العزيز الطاهري ومحمد بن جعفر بن علان الشروطي قالا‏:‏ أنشدنا مخلد بن جعفر الدقاق قال‏:‏ أنشدنا محمد بن جرير الطبري ‏.‏

إذا أعسرت لم يعلم رفيقي وأستغني فيستغني صديقي حيائي حافظ لي ماء وجهي ورفقي في مطالبتي رفيقي ولو أني سمحت ببذل وجهي لكنت إلى الغنى سهل الطريق قال‏:‏ وأنشدنا أيضًا خلقان لا أرضى طريقهما بطر الغنى ومذلة الفقر فإذا غنيت فلا تكن بطرًا وإذا افتقرت فته على الدهر توفي أبو جعفر الطبري وقت المغرب من عشية الأحد ليومين بقيا من شوال سنة عشر وثلثمائة ودفن وقد أضحى النهار يوم الاثنين برحبة يعقوب في ناحية باب خراسان في حجرة بإزاء داره وقيل‏:‏ بل دفن ليلًا ولم يؤذن به أحد واجتمع من لا يحصيهم إلا الله وصلى على قبره عدة شهور ليلًا ونهارًا ‏.‏

وذكر ثابت بن سنان في تاريخه‏:‏ أنه إنما أخفيت حاله لأن العامة اجتمعوا ومنعوا من دفنه بالنهار وادعوا عليه الرفض ثم ادعوا عليه الإلحاد ‏.‏

قال المصنف‏:‏ كان ابن جرير يرى جواز المسح على القدمين ولا يوجب غسلهما فلهذا نسب إلى الرفض وكان قد رفع في حقه أبو بكر بن أبي داود قصة إلى نصر الحاجب يذكر عنه أشياء فأنكرها منها‏:‏ أنه نسبه إلى رأي جهم وقال‏:‏ أنه قائل‏:‏ بل يداه مبسوطتان أي‏:‏ نعمتاه فأنكر هذا وقال ما قلته ومنها‏:‏ أنه روى أن روح رسول الله صلى الله علية وسلم لما خرجت سالت في كف علي فحساها فقال‏:‏ إنما الحديث مسح بها على وجهه وليس فيه حساها ‏.‏

قال المصنف رحمه الله‏:‏ وهذا أيضًا محال إلا أنه كتب ابن جرير في جواب هذا إلى نصر الحاجب‏:‏ لا عصابة في الإسلام كهذه العصابة الخسيسة وهذا قبيح منه لأنه كان ينبغي أن يخاصم من خاصمه وأما أن يذم طائفته جميعًا وهو يدري إلى من ينتسب فغاية في القبح ‏.‏

 ثم دخلت سنة إحدى عشرة وثلثمائة

فمن الحوادث فيها‏:‏ أن بغلة وردت من مصر إلى بغداد ومعها فلو وقد وضعت مهرًا في ربيع الأول وكان يرتضع منها وأنه ظهر الجراد وعظم أمره وكثر إفساده للغلات وأنه قلد أبو عمرو حمزة بن القاسم الصلاة في جامع المدينة وشغب الجند في المحرم فلما أطلقت أرزاقهم سكنوا وخلع على مؤنس المظفر وعقد له على الغزاة للصائفة في هذه السنة وقرىء كتاب على المنبر بالفتح على المسلمين من طرسوس وكان نازوك أمر بضر غلامين كان أحدهما غلامًا لبعض الرجالة المصافية فحمل الرجالة السلاح وقصدوا دار نازوك ووقعت بينهم حرب وقتل جماعة فركب المقتدر وبلغ إلى باب العامة ثم أشار عليه نصر الحاجب بالرجوع فرجع ووجه القواد للتسكين وشغلهم بإطلاق أرزاقهم فسكنوا ‏.‏

وصرف حامد بن العباس عن الوزارة وعلي بن عيسى عن الدواوين والأعمال لأنه أخر وقبض على علي بن عيسى وأنسابه والمتصرفين في أيامه وقرر عليًا ثلثمائة ألف دينار ‏.‏

وأخرج أبو الحسن علي بن محمد بن الفرات فقلد الوزارة يوم الخميس لتسع بقين من ربيع الآخر وخلع عليه وعلى ابنيه المحسن والحسين وأقطعه الدار بالمخرم وجلسوا للهناء وأخذوا ابن الفرات حامد بن العباس فصادره وأخذ خطه بألف ألف دينار وثلثمائة ألف دينار وصادر مؤنسًا خادم حامد على ثلاثين ألف دينار وروسل علي بن عيسى أن يقرر بأمواله فكتب أنه لا يقدر على أكثر من ثلاثة آلاف دينار فأخذه المحسن ولد ابن الفرات وألبسه جبة صوف وأهانه وناله بالأذى الفاحش حتى استخرج منه اليسير وورد الخبر في ربيع الآخر بدخول أبي طاهر سليمان بن الحسن الجنابي إلى البصرة سحر يوم الإثنين لخمس بقين من ربيع الآخر في ألف وسبعمائة رجل وأنه نصب سلاليم بالليل على سورها وصعد على أعلى السور ثم نزل إلى البلد وقتل البوابين الذين على الأبواب وفتح الأبواب وطرح بين كل مصراعين حصباء ورملًا كان معه على الجمال لئلا يمكن غلق الأبواب عليه ووضع السيف في أهل البصرة وأحرق المربد ونقض الجامع ومسجد قبر طلحة وهرب الناس فطرحوا أنفسهم في الماء فغرق أكثرهم وأقام أبو طاهر بالبصرة سبعة عشر يومًا يحمل على جماله كل ما يقدر عليه من الأمتعة والنساء والصبيان وخرج منها بما معه يوم الخميس وفي رجب استخلف القاضي أبو عمر ولده على القضاء بمدينة السلام وركب إلى جامع الرصافة وحكم وفي رابع عشر رمضان وقع برد المواريث إلى ذوي الأرحام وفي نصف رمضان أحرق على باب العامة صورة ماني وأربعة أعدال من كتب الزنادقة فسقط منها ذهب وفضة مما كان على المصاحف له قدر ‏.‏

وفي هذه السنة اتخذ أبو الحسن ابن الفرات مارستانا في درب المفضل وانفق عليه من ماله في كل شهر مائتي دينار جاريًا ‏.‏

 ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

أحمد بن محمد بن هارون أبو بكر الخلال سمع الحسن بن عرفة وسعدان بن نصر وغيرهما وصرفق عنايته إلى الجمع لعلوم أحمد بن حنبل وطلبها وسافر لأجللها وصنفها وجمع منها ما لم يجمعه أحد وكل من تبع هذا المذهب يأخذ من كتبه وتوفي في يوم الجمعة قبل الصلاة ليومين خلوا من ربيع الأول من هذه السنة ‏.‏

ودفن أحمد بن حفص بن يزيد أبو بكر المعافري حدث وروى عن عيسى بن حماد وغيره وكان فاضلًا توفي في ربيع الأول من هذه السنة ‏.‏

أحمد بن محمد بن الحسين أبو محمد الجريري سمع سريًا وكان الجنيد يكرمه وقيل له عند وفاته‏:‏ إلى من نجلس بعدك فقال‏:‏ إلى أبي محمد الجريري ‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد أخبرنا الخطيب أخبرنا عبد الكريم بن هوازن قال‏:‏ أخبرني محمد بن الحسين السلمي قال‏:‏ سمعت عبد الله الرازي يقول‏:‏ سمعت الجريري يقول‏:‏ منذ عشرين سنة ما مددت رجلي عند جلوسي في الخلوة فإن حسن الأدب مع الله أولى ‏.‏

قال عبد الكريم‏:‏ وسمعت عبد الله بن يوسف الأصبهاني يقول‏:‏ سمعت أبا الفضل الصرام يقول‏:‏ سمعت علي بن عبد الله يقول‏:‏ اعتكف أبو محمد الجريري بمكة في سنة إثنتين وتسعين ومائتين فلم يأكل ولم ينم ولم يستند إلى حائط ولم يمد رجليه فقال له أبو بكر الكتاني‏:‏ يا أبا أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي قال‏:‏ أخبرنا محمد بن عبد الواحد أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال‏:‏ سمعت أبا سعيد الرازي يقول‏:‏ توفي الجريري سنة وقعة الهبير وطئته الجمال وقت الوقعة ‏.‏

قال السلمي‏:‏ وسمعت أبا عبد الله الرازي يقول‏:‏ وقعة الهبير كانت في سنة إحدى عشرة وثلثمائة ‏.‏

قال مؤلف الكتاب رحمه الله الهبير اسم موضع عارض فيه أبو سعيد الجنابي القرمطي الحاج فأصاب منهم جماعة فتفرقوا فعاد وعارضهم في محرم سنة اثنتي عشرة وفتك بهم الفتك القبيح فجائز أن يكون الجريري قد هلك في المعارضة الأولى وإنما هلك في الطريق وبقي على حاله

وأخبرنا أبو منصور القزاز قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الحافظ أخبرنا عبد الكريم بن هوازن قال‏:‏ سمعت أبا عبد الله بن باكويه الشيرازي يقول‏:‏ سمعت أحمد بن عطاء الروذباري يقول‏:‏ مات الجريري سنة الهبير فحزت عليه بعد سنة وإذا هو مستند جالس وركبته إلى صدره وهو يشير إلى الله تعالى بإصبعه ‏.‏

أحمد بن حمدان بن علي بن سنان أبو جعفر النيسابوري لقي أبا حفص وغيره وكان من الورعين وأسند الحديث وله كلام حسن وكان يقول‏:‏ أنت تبغض أهل المعاصي بذنب واحد تظنه ولا تبغض نفسك مع ما تيقنته من ذنوبك توفي في هذه السنة ‏.‏

إبراهيم بن السري ين سهل أبو إسحاق الزجاج كان من أهل الفضل والعلم مع حسن الاعتقاد وله تصانيف حسان ‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت بن حسان قال‏:‏ أخبرنا علي بن أبي علي البغدادي قال‏:‏ أخبرني أبو الحسن أحمد بن يوسف الأزرق في كتابه قال‏:‏ حدثني أبو محمد بن درستويه قال‏:‏ حدثني الزجاج قال‏:‏ كنت أخرط الزجاج فاشتهيت النحو فلزمت المبرد لتعلمه وكان لا يعلم مجانًا ولا يعلم بأجرة إلا على قدرها فقال لي‏:‏ أي شيء صناعتك قلت‏:‏ أخرط الزجاج وكسبي في كل يوم درهم ونصف وأريد أن تبالغ في تعليمي وأنا أعطيك كل يوم درهمًا وأشترط لك أني أعطيك إياه أبدًا إلى أن يفرق الموت بيننا استغنيت عن التعلم أو احتجت إليه قال‏:‏ فلزمته وكنت أخدمه في أموره ومع ذلك فأعطيه الدرهم فينصحني في العلم حتى استقللت فجاءه كتاب بعض بني مادمة من الصراة يلتمسون معلمًا نحويًا لأولادهم فقلت له‏:‏ أسمني لهم فأسماني فخرجت فكنت أعلمهم وأنفذ إليه في كل شهر ثلاثين درهمًا وأتفقده بعد ذلك بما أقدر عليه ومضت على ذلك مدة فطلب منه عبيد الله بن سليمان مؤدبًا لابنه القاسم فقال‏:‏ لا أعرف لك إلا رجلًا زجاجًا بالصراة مع بني مادمة قال‏:‏ فكتب إليهم عبيد الله فاستنزلهم عني فأحضرني واسلم إلي القاسم فكان ذلك سبب غناي وكنت أعطي المبرد ذلك الدرهم في كل يوم إلى أن مات ولا أخليه من التفقد معه بحسب طاقتي ‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي قال‏:‏ أخبرنا علي بن أبي علي قال‏:‏ أخبرني أبي قال‏:‏ حدثني أبو الحسين عبد الله بن أحمد بن عياش القاضي قال‏:‏ حدثني أبو إسحاق الزجاج قال‏:‏ كنت أؤدب القاسم بن عبيد الله فأقول له‏:‏ إن بلغك الله مبلغ أبيك ووليت الوزارة ماذا تصنع بي فيقول‏:‏ ما أحببت فأقول‏:‏ أن تعطيني عشرين ألف دينار وكانت غاية أمنيتي فما مضت إلا سنون حتى ولي القاسم الوزارة وأنا على ملازمتي له وقد صرت نديمه فدعتني نفسي إلى إذكاره بالوعد ثم هبته فلما كان في اليوم الثالث من وزارته قال لي‏:‏ يا أبا إسحاق ألم أرك أذكرتني بالنذر فقلت‏:‏ عولت على رأي الوزير أيده الله وأنه لا يحتاج إلى إذكاري لنذر عليه في أمر خادم واجب الحق فقال لي‏:‏ أنه المعتضد بالله ولولاه ما تعاظمني دفع ذلك إليك في مكان واحد ولكن أخاف أن يصير له معك حديثًا فاسمح لي أن تأخذه متفرقًا فقلت‏:‏ أفعل فقال‏:‏ اجلس للناس وخذ رقاعهم في الحوائج الكبار واستجعل عليها ولا تمتنع من مسألتي شيئًا تخاطب فيه صحيحًا كان أو محالًا إلى أن يحصل لك مال النذر ففعلت ذلك وكنت أعرض عليه كل يوم رقاعًا فيوقع فيها وربما قال لي‏:‏ كم ضمن لك على هذا فأقول‏:‏ كذا وكذا فيقول‏:‏ غبنت هذا يساوي كذا وكذا فاستزد فأراجع القوم فلا أزال أماكسهم ويزيدونني حتى أبلغ ذاك الحد الذي رسمه لي قال‏:‏ وعرضت عليه شيئًا عظيمًا فحصلت عندي عشرون ألف دينار وأكثر منها في مديدة فقال لي بعد شهور‏:‏ يا أبا إسحاق حصل مال النذر فقلت‏:‏ لا فسكت وكنت أعرض ثم يسألني في كل شهر أو نحوه هل حصل المال فأقول‏:‏ لا خوفًا من انقطاع الكسب إلى أن حصل عندي ضعف ذلك المال فسألني يومًا فاستحييت من الكذب المتصل فقلت‏:‏ قد حصل لي ذلك ببركة الوزير فقال فرجت والله عني فقد كنت مشغول القلب إلى أن يحصل لك قال‏:‏ ثم أخذ الدواة فوقع لي إلى خازنه بثلاثة آلاف دينار صلة فأخذتها وامتنعت أن أعرض عليه شيئًا ولم أدر كيف أقع منه فلما كان من غد جئته وجلست على رسمي فأومأ إلي‏:‏ هات ما معك يستدعي مني الرقاع على الرسم فقلت ما أخذت من أحد رقعة لأن النذر قد وقع الوفاء به ولم أدر كيف أقع من الوزير فقال يا سبحان الله أتراني كنت أقطع عنك شيئًا قد صار لك عادة وعلم به الناس وصارت لك به منزلة عندهم وجاه وغدو ورواح إلى بابك ولا يعلم سبب انقطاعه فيظن ذلك لضعف جاهك عندي أو تغير رتبتك أعرض علي على رسمك وخذ بلا حساب فقبلت يده وباكرته من غد بالرقاع وكنت أعرض عليه كل يوم إلى أن مات وقد أثلث خالي هذه ‏.‏

قال المصنف رحمه الله رأيت كثيرًا من أصحاب الحديث والعلم يقرأون هذه الحكاية ويتعجبون مستحسنين لهذا الفعل غافلين عما تحته من القبيح وذلك أنه يجب على الولاة إيصال قصص المظلومين وأهل الحوائج فإقامة من يأخذ الأجعال على هذا قبيح حرام وهذا مما يهن به الزجاج وهنًا عظيمًا ولا يرتفع لأنه إن كان لم يعلم ما في باطن ما قد حكاه عن نفسه فهذا جهل بمعرفة حكم الشرع وإن كان يعرف فحكايته في غاية القبح نعوذ بالله من قلة الفقه ‏.‏

أخبرنا أبو منصور القزاز أخبرنا أبو بكر بن ثابت أخبرنا أبو الجوائز الحسن بن علي الكاتب قال‏:‏ حدثني أبو القاسم علي بن طلحة النحوي قال‏:‏ سمعت أبا علي الفارسي يقول‏:‏ دخلت مع شيخنا أبي إسحاق الزجاج على القاسم بن عبيد الله الوزير فورد إليه خادم وساره بشيء استبشر به ثم تقدم إلى شيخنا أبي إسحاق بالملازمة إلى أن يعود ثم نهض فلم يكن بأسرع من أن عاد وفي وجهه أثر الوجوم فسأله شيخنا عن ذلك لأنس كان بينه وبينه فقال‏:‏ كانت تختلف إلينا جارية لأحدى المغنيات فسمتها أن تبيعني إياها فامتنعت من ذلك ثم أشار عليها أحد من كان ينصحها بأن تهديها إلي رجاء أن أضاعف لها ثمنها فلما أعلمني الخادم بذلك فنهضت مستبشرًا لافتضاضها فوجدتها قد حاضت فكان مني ما ترى فأخذ شيخنا الدواة من يديه وكتب‏:‏ فارس ماض بحربته حاذق بالطعن في الظلم رام أن يدمي فريسته فاتقته من دم بدم أنبأنا أبو منصور القزاز أنبأنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ حدثني أبو بكر أحمد بن محمد الغزال قال‏:‏ أنبأنا علي بن عبد العزيز قال أنبأنا أبو محمد الوراق قال جار كان لنا قال‏:‏ كنت بشارع الأنبار وأنا صبي يوم نيروز فعبر رجل راكب فبادر بعض الصبيان وقلب عليه ماء فأنشأ يقول وهو ينفض رداءه من الماء إذا قل ماء الوجه قل حياؤه ولا خير في وجه إذا قل ماؤه فلما عبر قيل لنا هذا أبو إسحاق الزجاج قال الطاهري‏:‏ شارع الأنبار هو النافذ إلى الكبش والأسد ‏.‏

أخبرنا القزاز قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي قال‏:‏ أخبرنا أبو الطيب الطبري قال‏:‏ حدثني محمد بن طلحة قال‏:‏ حدثني القاضي محمد بن أحمد المخرمي أنه جرى بينه وبين الزجاج وبين المعروف بمسينة وكان من أهل العلم شر واتصل ونسجه إبليس وأحكمه حتى خرج الزجاج إلى حد الشتم فكتب إليه مسينة‏:‏ أبى الزجاج إلا شتم عرضي لينقعه فآثمه وضره وأقسم صادقًا ما كان حر ليطلق لفظه في شتم حره فلو أني كررت لفر مني ولكن للمنون علي كره فأصبح قد وقاه الله شري ليوم لا وقاه الله شره فلما اتصل هذا الخبر بالزجاج قصده راجلًا حتى اعتذر إليه وسأله الصلح توفي الزجاج يوم الجمعة لإحدى عشرة مضت من جمادى الآخرة من هذه السنة

بدر أبو النجم مولى المعتضد بالله ويسمى بدر الكبير ويقال له بدر الحمامي وكان قد تولى الأعمال مع ابن طولون بمصر فلما قتل قدم بغداد فولاه السلطان أعمال الحرب والمغاور بفارس وكرمان فخرج إلى عمله وحدث عن هلال بن العلاء وغيره وأقام هناك وطالت أيامه حتى توفي بشيراز ثم نبش وحمل إلى بغداد وقام ولده محمد مقامه في حفظ البلاد ‏.‏

استوزره المقتدر بالله سنة ست وثلثمائة وكان موسرًا له أربعمائة مملوك يحملون السلاح لكل واحد منهم مماليك وكان يحجبه ألف وسبعمائة حاجب وكان ينظر بفارس قديمًا ودام نظره بواسط وكان صهره أبو الحسين بن بسطام إذا سافر كان معه أربعون بختية موقرة أسرة ليجلس عليها وفيها واحدة موقرة سفافيد المطبخ وكان معه أربعمائة سجادة للصلاة فلما قبض على حامد صودر صهره هذا على ثلثمائة ألف دينار ‏.‏

وكان حامد ظاهر المروءة كثير العطاء فحكى أبو بكر الصولي أنه شكا إليه شفيع المقتدري فناء شعيره فجذب الدواة وكتب له بمائة كر شعير فقال له ابن الحواري‏:‏ فأنا أكتب له بمائة كر فنظر إليه نصر الحاجب فكتب له بمائة كر وكتب لأم موسى بمائة كر ولمؤنس الخادم بمائة كر

وحكى أبو علي التنوخي عن بعض الكتاب قال‏:‏ حضرت مائدة حامد وعليها عشرون نفسًا وكنت أسمع أنه ينفق عليها كل يوم مائتي دينار فاستقللت ما رأيت ثم خرجت فرأيت في الدار نيفًا وثلاثين مائدة منصوبة على كل مائدة ثلاثون نفسًا وكل مائدة كالمائدة التي بين يديه حتى البوارد والحلوى وكان لا يستدعي أحدًا إلى طعامه بل يقدم الطعام إلى كل قوم في أماكنهم ‏.‏

أنبأنا محمد بن أبي طاهر قال‏:‏ أنبأنا علي بن المحسن التنوخي إذنًا عن أبيه قال‏:‏ حدثني القاضي أبو الحسن محمد بن عبد الواحد الهاشمي قال‏:‏ كان حامد بن العباس من أوسع من رأيناه نفسًا وأحسنهم مروءة وأكثرهم نعمة وأشدهم سخاء وتفقدًا لمروءته وكان ينصب في داره كل يوم عدة موائد ولا يخرج من الدار أحد من الجلة والعامة والحاشية وغيرهم إذا حضر الطعام أو يأكل حتى غلمان الناس فربما نصب في داره في يوم واحد وأربعون مائدة ‏.‏

وكان يجري على كل من يجري عليه الخبز لحمًا وكانت جراياته كلها الحواري فدخل يومًا إلى دهليزه فرأى فيه قشر باقلاة فأحضر وكيله وقال‏:‏ ويلك‏!‏ يؤكل في داري الباقلا قال‏:‏ هذا من فعل البوابين قال‏:‏ أوليست لهم جرايات لحم قال بلى قال فسلهم عن السبب فسألهم فقالوا‏:‏ لا نتهنأ بأكل اللحم دون عيالنا فنحن ننفذه إليهم لنأكله معهم ليلًا ونجوع بالغدوات فنأكل الباقلا فأمر حامد أن يجري عليهم جرايات لعيالهم تحمل إلى منازلهم وأن يأكلوا جراياتهم في الدهليز ففعل ذلك فلما كان بعد أيام رأى قشر باقلاة في الدهليز فاستشاط غيظًا وكان حديدًا فشتم وكيله وقال‏:‏ ألم أضعف الجرايات فلم في دهليزي قشور الباقلا فقال‏:‏ إن الجرايات لما تضاعفت جعلوا الأولى لعيالاتهم في كل يوم وصاروا يجمعون الثانية عند القصاب فإذا خرجوا من النوبة ومضوا نهارًا إلى منازلهم في نوبة استراحتهم فيها أخذوا ذلك مجتمعًا من القصاب فتوسعوا به قال‏:‏ فلتكن الجرايات بحالها وليتخذ مائدة في كل يوم وليلة تنصب غدوة قبل نصب موائدنا يطعم عليها هؤلاء والله لئن وجدت بعد هذا في دهليزي قشر باقلاة لأضربنك وجميعهم بالمقارع ففعل ذلك وكان ما زاد في نفقة الأموال فيه أمرًا عظيمًا ‏.‏

قال المحسن‏:‏ وحدثني هبة الله بن محمد بن يوسف المنجم قال‏:‏ حدثني جدي قال‏:‏ وقفت امرأة لحامد بن العباس على الطريق فشكت إليه الفقر ودفعت إليه قصة كانت معها فلما جلس وقع لها بمائتي دينار فأنكر الجهبذ دفع هذا القرار إلى مثلها فراجعه فقال حامد‏:‏ والله ما كان في نفسي أن أهب لها إلا مائتي درهم ولكن الله تعالى أجرى لها على يدي مائتي دينار فلا أرجع في ذلك أعطها فدفع إليها فلما كان بعد أيام دفع إليه رجل قصة يذكر فيها أن امرأتي وأنا كنا فقراء فرفعت قصة إلى الوزير فوهب لها مائتي دينار فاستطالت علي بها وتريد الآن اعناتي لأطلقها فإن رأى الوزير أن يوقع لي من يكفها عني فعل فضحك حامد فوقع له بمائتي دينار وقال‏:‏ قولوا له يقول لها‏:‏ قد صار الآن مالك مثل مالها فهي لا تطالبك بالطلاق فقبضها وانصرف غنيًا ‏.‏

قال المحسن‏:‏ وحدثني عبد الله بن أحمد بن داسة قال‏:‏ حدثني أبو الحسين أحمد بن الحسين بن المثنى قال لما قدم حامد بن العباس الأبله يريد الأهواز وهو وزير خرجت لتلقيه فرأيت له حراقة ملاحوها خصيان بيض وعلى وسطها شيخ يقرأ القرآن وهي مظلله مسترة فسألت عن قال المحسن‏:‏ وحدثني أبو عبد الله الصيرفي قال‏:‏ حدثني أبو عبد الله القنوتي قال‏:‏ ركب حامد وهو عامل واسط إلى بستان له فرأى بطريقه دارًا محترقة وشيخًا يبكي ويولول وحوله صبيان ونساء على مثل حاله فسأل عنه فقيل‏:‏ هذا رجل تاجر احترقت داره وافتقر فوجم ساعة ثم قال‏:‏ أين فلان الوكيل فجاء فقال له‏:‏ أريد أن أندبك لأمر ان عملته كما أريد فعلت بك وصنعت - وذكر جميلًا - وإن تجاوزت فيه رسمي فعلت بك وصنعت - وذكر قبيحًا - فقال‏:‏ مر بأمرك فقال ترى هذا الشيخ قد آلمني قلبي له وقد تنغصت علي نزهتي بسببه وما تسمح نفسي بالتوجه إلى بستاني إلا بعد أن تضمن لي أنني إذا عدت العشية من النزهة وجدت الشيخ في داره وهي كما كانت مبنية مجصصة نظيفة وفيها صنوف المتاع والفرش والصفر كما كانت وتباع له ولعياله كسوة الشتاء والصيف المعونة أن يقف معي ويحضر من أطلبه من الصناع فتقدم حامد بذلك - وكان الزمان صيفًا - فتقدم بإحضار أصناف الروز جارية فكانوا ينقضون بيتًا ويقيمون فيه من يبنيه وقيل لصاحب الدار اكتب جميع ما ذهب منك حتى المكنسة والمقدحة وصليت العصر وقد سقفت الدار وجصصت وغلقت الأبواب ولم يبق غير الطوابيق فأنفذ الرجل إلى حامد وسأله التوقف في البستان وإن لا يركب منه إلى أن يصلي عشاء الآخرة فبيضت الدار وكنست وفرشت ولبس الشيخ وعياله الثياب ودفعت إليهم الصناديق والخزائن مملوءة بالأمتعة فاجتاز حامد والناس قد اجتمعوا كأنه يوم عيد يضجون بالدعاء له فتقدم حامد إلى الجهبذ بخمسة آلاف درهم يدفعها إلى الشيخ يزيدها في بضاعته وسار حامد إلى داره ‏.‏

قال المحسن‏:‏ حدثني أبو الحسن بن المأمون الهاشمي‏:‏ أنه وجد لحامد في نكبته التي قتل فيها في بئر لمستراح له أربعمائة ألف دينار عينًا دل عليها لما اشتدت به المطالبة ‏.‏

وأخبرني غيره أن حامدًا كان عمل حجرة وجعل فيها مستراحًا وكان يتقدم إلى وكيله أن يجيء بالدنانير فكلما حصل له كيس أخذه تحت ثيابه وقام كأنه يبول فدخل ذلك المستراح فألقى الكيس في البئر وخرج من غير أن يصب فيها ماء ولا يبول ويوهم الفراش أنه فعل ذلك فإذا أخرج قفل المستراح ولم يدخله غيره على رسم مستراحات الملوك فإذا أراد الدخول فتحه له الخادم المرسوم بالوضوء وذلك الخادم المرسوم بالوضوء لا يعلم السر في ذلك فلما تكامل المال قال‏:‏ هذا المستراح فسد فسدوها فسد وعطل فلما اشتدت به المطالبة دل عليه فأخرج ما فيه ‏.‏

ولما عزل المقتدر حامدًا قرر مع ابن الفرات أنه لا ينكبه وقال‏:‏ خدمنا بغير رزق وشرط أن يناظر بمحضر من القضاة والكتاب وكان قد وقع بينه وبين مفلح الخادم وجرى بينهما مخاشنة فقال حامد‏:‏ والله لا بتاعن مائة أسود أجعلهم قوادًا وأسمي كل واحد منهم مفلحًا فأدى عنه مفلح إلى الخليفة ما لم يقله وأشار بأن ينفذ إلى ابن الفرات وقال‏:‏ إن لم يكن في قبضه وقفت أموره فتقدم الخليفة بذلك وأمر ابن الفرات أن يفرد له دارًا حسنة ويفرش له فرشًا جميلًا ويحضر ما يختار من الأطعمة وباع حامد داره التي كانت له على الصراة من نازوك باثني عشر ألف دينار وباع خادمًا له عليه بثلاثة آلاف دينار وأقر حامد بألف ألف دينار ومائتي ألف دينار وأحدر إلى واسط في رمضان هذه السنة فتسلمه محمد بن عبد الله البزوفري وكان ينظر من قبل لحامد فأراد البزورفري أن يحتاط لنفسه حين مرض حامد فأحضر قاضي واسط وشهودها يخبرهم أنه مات حتف أنفه فلما دخل الشهود عليه قال لهم‏:‏ ان الفرات الكافر الفاجر الرافضي عاهدني وحلف بأيمان البيعة إن أقررت بأموالي صانني عن المكروه فلما أقررت سلمني إلى ابنه فقدم لي بيضًا مسمومًا فلا صنع للبزوفري في دمي إلى وقتنا هذا ولكنه كفر إحساني ‏.‏

توفي حامد في رمضان هذه السنة ‏.‏

عبد الله بن إسحاق بن ابراهيم بن حماد بن يعقوب أبو محمد الأنماطي المدائني سكن بغداد وحدث بها عن الصلت بن مسعود الجحدري وعتمان بن أبي شيبة ‏.‏

روى عنه توفي في ذي القعدة من هذه السنة ‏.‏

محمد بن إسحاق بن خزيمة بن المغيرة بن صالح بن بكر السلمي مولى مجشر بن مزاحم أبو بكر طاف البلاد في طلب الحديث فسمع بنيسابور من ابن راهويه وغيره وبمرو من علي بن حجر وغيره وبالري من محمد بن مهران وغيره وببغداد من أحمد بن منيع وغيره وبالبصرة من بشر بن معاذ العقدي وغيره وبالكوفة من أبي كريب وغيره وبالحجاز من عبد الجبار بن العلاء وغيره وبالشام من موسى بن سهل الرملي وغيره وبالجزيرة من عبد الجبار بن العلاء وغيره وبمصر من يونس بن عبد الأعلى وغيره وسمع بواسط من محمد بن حرب وغيره روى عنه جماعة من مشايخه منهم البخاري ومسلم وكان مبرزًا في علم الحديث وغيره ‏.‏

أخبرنا محمد بن ناصر قال‏:‏ أنبأنا أبو محمد الحسن بن أحمد السمرقندي قال‏:‏ سمعت أبا سعيد أحمد بن محمد العبداني يقول‏:‏ أخبرنا أبو إسحاق أحمد بن محمد المفسر قال أخبرنا أبو محمد بن الخطيب قال‏:‏ سمعت أبا الحارث روح بن أحمد بن روح يقول‏:‏ سمعت أبا العباس أحمد بن المظفر البكري يقول‏:‏ سمعت محمد بن هارون الطبري يقول‏:‏ كنت أنا ومحمد بن نصر المروزي ومحمد بن علويه الوزان ومحمد بن إسحاق بن خزيمة على باب الربيع بن سليمان بمصر نسمع منه كتب الشافعي فبقينا ثلاثة أيام بلياليهن لم نطعم شيئًا وفنيت أزوادنا ‏.‏

فقلت‏:‏ الآن قد حلت لنا المسألة فمن يسأل فاستحيا كل واحد منا أن يسأل فقلنا نقترع فوقعت القرعة على محمد بن إسحاق بن خزيمة فقال‏:‏ دعوني أصلي ركعتين ‏.‏

وسجد يدعو بدعاء الاستخارة إذ قرع علينا الباب فخرج واحد فإذا هو رجل خادم لأحمد بن طولون أمير مصر وبين يديه شمعة وخلفه شمعة فاستأذن فدخل ثم سلم وجلس وأدخل يده في كمه فأخرج رقعة فقال‏:‏ من محمد بن نصر المروزي فقلنا‏:‏ هذا فأخرج صرة فيها خمسون دينارًا فأعطاه ثم قال‏:‏ إن الأمير أحمد بن طولون يقرأ عليك السلام ويقول لك استنفق هذا فإذا فني بعثنا إليك مثله قال‏:‏ من محمد بن علويه الوزان فقلنا‏:‏ هذا فأعطاه مثل ذلك ثم قال‏:‏ من محمد بن هارون الطبري فقلت‏:‏ أنا فأعطاني مثل ذلك ثم قال‏:‏ من محمد بن إسحاق بن خزيمة فقلنا‏:‏ هو ذاك الساجد فأمهله حتى رفع رأسه من السجدة فأعطاه مثل ذلك ‏.‏

فقلنا له‏:‏ لا نقبل هذا منك حتى تخبرنا بالقصة فقال‏:‏ إن الأمير أحمد بن طولون كان قائلًا نصف النهار إذ اتاه آت في منامه فقال‏:‏ يا أحمد ما حجتك غدًا عند الله إذا وقفت بين يديه فسألك عن أربعة من أهل العلم طووا منذ ثلاثة أيام لم يطعموا شيئًا فانتبه فزعًا مذعورًا فكتب أسماءكم وصرر هذه الصرر وبعثني في طلبكم وكنت استخبر خبركم حتى وجدتكم الآن ‏.‏

أخبرنا أبو منصور القزاز أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي الخطيب قال‏:‏ حدثني أبو الفرج محمد بن عبيد الله بن محمد الشيرازي لفظًا قال‏:‏ سمعت أحمد بن منصور بن محمد الشيرازي يقول‏:‏ سمعت محمد بن أحمد الصحاف السجستاني قال‏:‏ سمعت أبا العباس البكري - من ولد أبي بكر الصديق رضي الله عنه - يقول‏:‏ جمعت الرحلة بين محمد بن جرير ومحمد بن إسحاق بن خزيمة ومحمد بن نصر المروزي ومحمد بن هارون الروياني بمصر فأرملوا ولم يبق عندهم ما يقوتهم وأضر بهم الجوع فاجتمعوا ليلة في منزل كانوا يأوون إليه فاتفق رأيهم على أن يستهموا ويضربوا القرعة فمن خرجت عليه القرعة سأل لأصحابه الطعام فخرجت القرعة على محمد بن إسحاق بن خزيمة فقال لأصحابه‏:‏ أمهلوني حتى أتوضأ وأصلي صلاة الخيرة قال‏:‏ فاندفع في الصلاة فإذا هم بالشموع وخصي من قبل والي مصر يدق الباب ففتحوا الباب فنزل عن دابته فقال‏:‏ أيكم محمد بن نصر فقيل‏:‏ هو هذا فأخرج صرة فيها خمسون دينارًا فدفعها إليه ثم قال‏:‏ أيكم محمد بن إسحاق بن خزيمة فقالوا‏:‏ هو هذا يصلي فلما فرغ دفع إليه صرة فيها خمسون دينارًا ثم قال‏:‏ إن الأمير كان قائلًا بالأمس فرأى في المنام خيالًا قال‏:‏ إن المحامد طووا كشحهم جياعًا فانفذ إليكم هذه الصرر وأقسم عليكم إذا نفدت فابعثوا إلي أحدكم ‏.‏

قال مؤلف الكتاب وقد سبق نحو هذه الحكايات عن الحسن بن سفيان النسوي ‏.‏

توفي أبو بكر بن خزيمة ليلة السبت ثامن ذي القعدة من هذه السنة ودفن في حجرة من داره ثم صيرت تلك الدار مقبرة ‏.‏

محمد بن أحمد بن الصلت بن دينار أبو بكر الكاتب سمع وهب بن بقية وغيره وربما سمي أحمد بن محمد بن الصلت إلا أن الأول أشهر ‏.‏

أخبرنا القزاز قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي أخبرنا ابن رزق أخبرنا عمر بن جعفر البصري قال‏:‏ محمد بن أحمد بن الصلت ثقة مأمون ‏.‏

توفي في المحرم من هذه السنة ‏.‏

محمد بن إسماعيل بن علي بن النعمان بن راشد أبو بكر البندار المعروف بالبصلاني سمع علي بن الحسين الدرهمي وخالد بن يوسف السمتي وبندار وغيرهم ‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر بن ثابت قال‏:‏ حدثني علي بن محمد بن نصر الدينوري قال‏:‏ سمعت حمزة بن يوسف السهمي يقول‏:‏ سألت الدارقطني عن محمد بن إسماعيل البصلاني فقال‏:‏ ثقة ‏.‏

يانس الموفقي‏:‏ كان في أصل سور داره من خيار الفرسان والرجالة ألف مقاتل ‏.‏

توفي في هذه السنة وخلف ضياعًا تغل ثلاثين ألف دينار ‏.‏